تكمن الأخبار السيئة بالنسبة إلى بن مزريتش وكتابه الذي يدور حول "أكثر استحواذ مثير للجدل لشركة في التاريخ" من بطولة إيلون ماسك أن هوليوود دفعت للتو ملايين الدولارات لفيلم سيرة ذاتية عن إيلون ماسك من إخراج دارين أرونوفسكي انطلاقاً من السيرة التي كتبها والتر أيزاكسون عن أغنى رجل في العالم كما أفادت تقارير وردت في النشرة الإخبارية "باك" Puck التي تُعنى بصناعة الترفيه.
بحسب ناشريه، يُعد مزريتش "واحداً من أكثر الكتاب السرديين الرائدين في العالم". ولكنه تجرع السم أيضاً والتزم الموضوع التزاماً صادقاً وغير مشروط، إذ تحول كتابه "أصحاب المليارات بالصدفة" Accidental Billionaires الصادر عام 2009 الذي اعتُبر رواية جدلية ومحمومة عن أصول "فيسبوك" العاصفة، إلى سيناريو لفيلم آرون سوركين بعنوان "الشبكة الاجتماعية" The Social Network. أما في كتاب "تحطيم تويتر" Breaking Twitter، فيأمل مزريتش في الحصول على حصة ثانية من أرباح الأفلام [عند تحويل كتابه إلى فيلم]. إنه يعيش في وتيرة الترويج المستمر منذ البداية وفي هذا السياق، يقول لنا في ملاحظة تمهيدية لقرائه إن الكتاب يشكل "واحداً من أكثر الروايات أهمية وإثارة للحماسة التي أسردها على الإطلاق".
وإن كان أفضل المؤلفين مبيعاً أتقن "سردية تجارية" [رواية القصص في الأعمال التجارية والتسويق لها]، إلا أنه ما زال أمامه كثير ليتعلمه حول تقنية "الإبداء لا الإفصاح" [ترك القارئ يحلل بنفسه]. رُوّج لكتاب "تحطيم تويتر" على أنه "معركة شكسبيرية وحشية" للسيطرة على شركة أصبحت اليوم تعرف باسم "إكس" وهو بمثابة كتاب مليء بالأمنيات ولكنه مجبول بطابع يائس يكاد لا يرقى إلى مجرد مطالعة عابرة أثناء رحلة على متن الطائرة ويطمح إلى أن يصبح سيناريو لفيلم.
في الظاهر، يعتبر سيناريو مزريتش الذي يستند إلى صحافة المجلات واعداً. فهي رواية مألوفة بالنسبة إلى غالبية مستخدمي "تويتر". في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وبعدما استغل حصة متواضعة تبلغ تسعة في المئة في عملية استحواذ خيالية على شركة، دخل إيلون ماسك الملياردير الرائد في مجال التكنولوجيا الذي يغرد خارج السرب في الفضاء إلى المقر الرئيس لشركة "تويتر" وهو يتعامل بخشونة مع الموظفين حاملاً حوض مغسلة. تزامناً مع ذلك، مستخدماً التكنولوجيا التي سيمزقها إرباً بُعيد ذلك وبصورة غير ناضجة وطفولية، غرد لملايين متابعيه كاتباً "دعها تغرق" Let that sink in.
خلال مسيرته القصيرة كملياردير متمرد وزعيم "تويتر" كما نصب نفسه، تفاخر ماسك بالإعلان أنه عندما يقول شيئاً ما سرعان ما يتحقق. إن عملية الاستحواذ التي بدأت تتكشف فصولها الآن في دائرة "تويتر" المحمومة في سان فرانسيسكو كانت مليئة بالضمانات الرصينة حول بدايات جديدة ووعود بحرية التعبير والتغييرات الأساسية، بيد أن أغنى رجل في العالم يدرك أن مثل هذه المشاعر لا تنجح في بلوغ الهدف المنشود.
لم يكن "موظفو تويتر" (تويبس) Tweeps مستعدين للأشهر التي تبعت ذلك والتي اتسمت بالفوضى والإرباك: عمليات طرد جماعية ومجازر مهنية في مجالس الإدارة، ونزوح جماعي للمستشارين ومشاهير "العلامة الزرقاء" التي بلغت ذروتها في معركة ضروس من أجل السيطرة لا تزال مستعرة ولم تحل حتى الساعة. يشكل "تحطيم تويتر" رواية مليئة بالحماسة والديناميكية تدور أحداثها على مدى 16 شهراً (من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 حتى أبريل/ نيسان 2023) في الانهيار المذهل الذي يصيب بالدوار لما كانت في السابق أقوى إمبراطورية للتواصل والتي ما زال يتحتم تحليل دورها بالكامل في صعود دونالد ترمب. وإن كان مستقبل هذا الكتاب كفيلم تحت مجهر المساءلة اليوم، لكنه يجب أن يحظى بفرصة التحول إلى مسلسل تلفزيوني.
إن تقديم مزريتش لهذه الرواية الغريبة يشبه مزيجاً بدائياً من كتاب الأعمال واستعراض الأفلام. يحمل مزريتش الطموح الفائق ليكون الكاتب الأكثر مبيعاً. كل ما يتضمنه "تحطيم تويتر" مبالغ فيه بصورة مفرطة ومستقبلية، يمكن القول إنه في هذه النقطة يقارب واقع كاليفورنيا التي تتميز بالتكنولوجيا الفائقة التطور. ويتنقل في النثر من عالم الخيال العلمي التكنولوجي، إلى الاستيلاء غير المباشر على الصحافة الجديدة، قبل أن يصل لاهثاً إلى ترويج ساذج وغير متماسك أحياناً لإيلون ماسك باعتباره "أحد أكثر الشخصيات تعقيداً التي التقيتها على الإطلاق"، كما يقول.
بغض النظر عما تعنيه "تويتر" (على رغم كتاب مزريتش ما زالت تلك المؤسسة لغزاً) يفلت رئيس التغريد بنفسه من التشريح. ويطرح مزريتش بعض التحديات الواضحة المرتبطة بماسك ولكنه يترك القارئ تحت رحمة نثره المتملق والمزعج ("لأعوام طويلة كان معروفاً لمعظم العالم بأنه عبقري وأحد أعظم رواد الأعمال في التاريخ"). وإن أردنا تحليل هذه اللغة المبالغ بها بأكبر قدر من العقلانية، فإن غالبية القراء لن يكونوا أكثر حكمة. ولكن تتطلب قصة ماسك- "تويتر" أجوبة صريحة وواضحة على ثلاثة أسئلة أساسية هي:
1- هل ماسك هو فعلاً مهندس /نابغة عقلاني حكيم أو شخص مجنون وفاحش الثراء؟
2- هل يلجأ إلى البيانات أو الغريزة، العلم أو المشاعر؟
3- ما الذي قد يريده من "تويتر" بحق السماء؟
يحشر "تحطيم تويتر" هذه الأسئلة في قفصها ولكنه لا يقاربها مطلقاً سوى ببعض التوكيدات السطحية والمبهمة لأحداث "كوميدية قاتمة" و"الحلقة المفرغة" التي يدور فيها ماسك.
لا شك في أن ذلك غريب ومخيب للآمال. فقد كان أصل استحواذ ماسك على "تويتر" بسيطاً للفهم: رفع شعار وهمي بمبادىء حرية التعبير. بعد اكتشاف أن الحال المؤسساتية لـ"تويتر" كانت مهترئة حتى العظام، ولأي درجة أصبحت مفسدة بفعل الإباحية، بدأ ماسك يتحدى قيمها الأخلاقية. وانطلاقاً من بعض البيانات غير الاستثنائية ("حرية التعبير أساسية لنظام ديمقراطي فاعل")، تساءل قائلاً "هل تعتقدون بأن تويتر يلتزم بشدة هذا المبدأ؟"، وأسهمت تلك التغريدات في نهاية المطاف إلى استحواذه على الموقع مما عجل بعد ذلك في تدمير ملكية ماسك بصورة ذاتية. وأعلن "منذ أن قمت بهذا الاستثمار، أدرك الآن أن الشركة بحاجة إلى أن تتحول. يتمتع تويتر بقدرة هائلة، وسأقوم بإطلاقها".
تكمن مشكلة مزريتش مع هذه الرواية التي لم يُعترف بها أو يجرَ تحليلها مطلقاً، هي أن أياً من المديرين، بدءاً من مؤسس "تويتر" جاك دورسي وصولاً إلى الرئيس التنفيذي السابق باراغ أغراوال، لم يتعاونوا لتوضيح بدقة كيف "تضرر" ماسك من قبل الشركة. عوضاً عن ذلك، اعتمد مزريتش على مجموعة من موظفي "تويتر" السابقين (إستير، جيسيكا، مارك، بريت، فيودر...) وترجم ساعات من المقابلات وحوّلها إلى "قصة سردية مرتبطة بالأعمال" بالكاد تمثل مسودة لسيناريو فيلم.
وجاء فيها مثلاً "جلس مارك على مكتبه وما زال يحدق في الشاشة. كان هاتفه الخليوي يرن في جيبه ولكنه بقي مركزاً على ما كان الآن مجدداً مربعاً ضمن مربع في مربعات عدة أخرى".
وبعد أن حيّر مزريتش قراءه المسافرين في المطارات، ينتقل إلى مرور ختامي غير مدروس يتطرق فيه إلى طريقة أيزاكسون "الاستعراضية والمديحية" لحياة إيلون ماسك منتقداً ومزدرياً الأساليب الصحافية الرصينة التي استخدمها أيزاكسون.
صدقاً، كان يمكن أن تكون هذه المهنية المحترفة مصدر ارتياح. ومن دون سردية تجارية في الظاهر، ليس لمزريتش كثير ليقدمه. ففي الخلاصة، أخبرنا بما نعرفه مسبقاً وهو أن ماسك قضى على "تويتر" الذي بدوره يبدو أنه في طور القضاء على ماسك وتحطيمه. يا للمفاجأة، يقول لنا إن أي إنقاذ لــ"تويتر" (الذي أصبح يُعرف حالياً باسم إكس) "سيكون بيد إيلون نفسه".
يختم "تحطيم تويتر" بعبارة جاهلة ومثيرة للسخرية تماماً كقصة ماسك نفسه: "يملك إيلون الآن خياراً. أي إيلون يود أن يكون؟" وسيتساءل عدد من القراء: من يعرف؟ ومن يهتم أصلاً؟